في عالم يتسارع فيه إيقاع الحياة، وتتزايد فيه الحاجة إلى الكفاءة والشفافية من الإدارات، يظل الصمت الإداري شبحاً يطارد العديد من المواطنين، معرقلاً مصالحهم ومجمداً استثماراتهم. هذه الظاهرة، التي تعني تقاعس الإدارة عن الرد على طلبات المواطنين في الآجال القانونية، تتحول من مجرد تأخير إداري إلى عائق حقيقي أمام الحقوق الأساسية والتنمية الاقتصادية، وتُلقى مسؤولية مباشرة في هذا الإطار على مديرية الفلاحة بوزان.
قصة السيد بلال غريب من وزان هي خير مثال على هذا التحدي. فمنذ أكثر من عامين، وتحديداً منذ 3 أبريل 2023، ينتظر السيد غريب قراراً حاسماً بشأن طلب “شهادة إدارية للاستغلال الفلاحي” من مديرية الفلاحة بوزان. هذه الشهادة ليست مجرد ورقة إضافية، بل هي مفتاح إتمام عملية بيع لأرض فلاحية يملكها، تبلغ مساحتها حوالي 1.7 هكتار، ومزروعة بأنواع مختلفة من الأشجار المثمرة، مما يؤكد قيمتها الزراعية والاقتصادية.
بدأت رحلة السيد بلال بتقديم طلبه، وبعد معاينة ميدانية قامت بها لجنة مختصة في التاريخ المذكور، كان من المفترض أن يصدر قرار. لكن الصمت كان هو الرد الوحيد من مديرية الفلاحة. لم يتلق السيد غريب أي قرار، لا بالقبول ولا بالرفض، مما أبقى مصير صفقة البيع معلقاً في مهب الريح. هذا التأخير لم يؤثر فقط على صفقة البيع المباشرة، بل وضع السيد غريب في موقف حرج، حيث يواجه احتمالية خسارة المشتري وتكاليف مالية مستمرة دون أي عائد، وكل ذلك نتيجة مباشرة لعدم تحرك مديرية الفلاحة لإنهاء الإجراءات. الأمر لم يتوقف عند مديرية الفلاحة فحسب، فقبل حوالي ستة أشهر من تاريخ شكواه الرسمية في يونيو 2025، كان السيد بلال غريب قد تقدم بطلب مماثل إلى جماعة وزان، لكنه قوبل بالصمت ذاته. هذا التداخل في الاختصاصات أو عدم وضوح المسار الإداري يزيد من تعقيد المشكلة ويشتت المواطن بين إدارات مختلفة دون جدوى، ولكن تبقى مسؤولية مديرية الفلاحة واضحة في هذا التأخير.
في القانون الإداري، يُفسر الصمت المطول للإدارة على أنه “رفض ضمني”. هذا المبدأ، وإن كان يوفر للمواطن أساساً قانونياً للطعن، إلا أنه يفرض عليه عبئاً إضافياً يتمثل في اللجوء إلى المحاكم الإدارية، مما يعني تكاليف ووقت وجهداً إضافياً، وكل ذلك بسبب البطء الإداري لـ مديرية الفلاحة عن اتخاذ قرار صريح.
تداعيات هذا الصمت تتجاوز الفرد لتشمل الاقتصاد والمجتمع، فعندما تتأخر الإجراءات الإدارية إلى هذا الحد، فإنها تثبط الاستثمار في القطاع الزراعي وغيره من القطاعات، حيث يخشى المستثمرون من عدم اليقين والتعقيدات الإدارية التي تُمارسها المديرية. كما يؤدي التقاعس الإداري إلى تآكل ثقة المواطنين في مؤسسات الدولة وقدرتها على تقديم خدمات فعالة وعادلة. ولا ننسى الضرر الاقتصادي المباشر المتمثل في خسارة صفقات البيع، وتجميد الأصول، وتكاليف الفرصة البديلة، وكلها عوامل تضر بالاقتصاد الوطني على المدى الطويل.
قضية السيد بلال غريب ليست فريدة من نوعها، بل هي صرخة تعكس حاجة ملحة لإصلاح إداري شامل، وتحديداً داخل مديرية الفلاحة بوزان. يتطلب الأمر تحديد جداول زمنية واضحة وملزمة للرد على جميع الطلبات الإدارية، مع فرض عقوبات على عدم الالتزام بها. كما يجب تعزيز الشفافية من خلال نشر إرشادات واضحة حول الإجراءات والمتطلبات، وتوفير قنوات تواصل فعالة للمواطنين. والاستثمار في المنصات الرقمية لتقديم الطلبات وتتبعها أمر ضروري لتقليل الاحتكاك البشري وزيادة الكفاءة والشفافية. والأهم من ذلك، تفعيل آليات المساءلة للمسؤولين عن التأخيرات غير المبررة أو القرارات التعسفية داخل المديرية.
إن ضمان حقوق الملكية وتبسيط الإجراءات الإدارية ليسا مجرد رفاهية، بل هما حجر الزاوية في بناء اقتصاد قوي ومجتمع عادل. قصة السيد بلاد غريب هي تذكير بأن الإجراءات الإدارية المعقدة والبطيئة، إذا لم تُدار بكفاءة، يمكن أن تصبح عائقاً لا يطاق أمام تقدم الأفراد والأمة بأسرها، وتتحمل مديرية الفلاحة بوزان جزءاً كبيراً من هذه المسؤولية في حالة السيد غريب.
اترك تعليقاً