احتضن مقر عمالة وزان، يوم الجمعة، لقاءً تشاورياً موسعاً جرى خلاله إطلاق دينامية جديدة لإعداد الجيل المقبل من البرامج التنموية المندمجة على مستوى الإقليم. ويأتي هذا الاجتماع في سياق وطني يتجه نحو إعادة تقييم السياسات الترابية واعتماد مقاربات حديثة ترتكز على الشراكة، وتوحيد الجهود، وربط تدخلات القطاعات المختلفة برؤية مشتركة تُعطي الأولوية لحاجيات المواطنين الفعلية.
في بداية اللقاء، أكد عامل الإقليم المهدي شلبي أن هذا اللقاء يتقاطع مع التوجيهات السامية الواردة في خطابي العرش وافتتاح السنة التشريعية، واللذين شددا على ضرورة الارتقاء بآليات التخطيط المحلي واعتماد نموذج تنموي أكثر انسجاماً وفعالية. وأشار شلبي إلى أن وزان تحتاج اليوم إلى إعادة قراءة تفاصيل واقعها الترابي بعيداً عن المقاربات التقليدية، من خلال رصد التحولات التي شهدتها المنطقة خلال العقد الأخير، وتحديد مكامن القوة والضعف التي يجب التعامل معها بواقعية وحسّ استراتيجي.

وتوقف السيد العامل عند أهمية تجاوز النظرة الضيقة للتنمية باعتبارها مجرد مشاريع للبنيات التحتية، داعياً إلى تصور أوسع يدمج التنمية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية ضمن رؤية موحدة. كما شدد على ضرورة تعزيز حضور المواطن في قلب العملية التنموية عبر اعتماد تخطيط تصاعدي ينطلق من تشخيص ميداني دقيق، ويمنح للفاعلين المحليين فرصة الإسهام في صياغة السياسات العمومية الإقليمية.
ومن زاوية تحليلية، تبرز أهمية هذا التحول في ارتباطه بتحديات تشهدها مختلف الأقاليم المشابهة لوزان، والتي تواجه ضغطاً متزايداً في مجالات التعليم والصحة والشغل، إضافة إلى الإشكالات المرتبطة بالبنيات الطرقية وتدبير الموارد المائية. ويظهر اليوم أن التداخل بين هذه القطاعات يفرض اعتماد نهج شامل ينسق بينها بدل العمل القطاعي المنعزل.
وفي إطار النقاش التقني، قدّم رئيس قسم التجهيزات بالعمالة عرضاً مفصلاً حول الوضع التنموي للإقليم، شمل مؤشرات حديثة تتعلق بقطاعات التعليم والصحة والتشغيل والبنيات التحتية الأساسية، فضلاً عن جرد للاستثمارات العمومية خلال السنوات العشر الماضية. وهو عرض ساعد على وضع خارطة مرجعية أولية تساعد على تشخيص التحديات المطروحة وتحديد المجالات ذات الأولوية.
وعرف اللقاء حضوراً مكثفاً لممثلي المصالح الخارجية والمنتخبين والبرلمانيين ورجال السلطة وفعاليات المجتمع المدني، الذين قدّموا في مداخلاتهم قراءات متباينة لواقع الإقليم، لكنها متقاطعة في تشخيصها لمجموعة من القضايا الهيكلية، أبرزها ضعف العرض الصحي، اختلالات المنظومة التعليمية، محدودية فرص الشغل، التحديات المرتبطة بالقطاع الفلاحي، وصعوبات التعمير والتنقل داخل الإقليم.
ولتعميق النقاش وإتاحة مساحة أكبر لتبادل الأفكار، تم تنظيم خمس ورشات تفاعلية تناولت محاور مختلفة ذات صلة بالتنمية الاجتماعية والاقتصادية وتحسين البنيات التحتية وتعزيز جاذبية الإقليم. وقد شكلت هذه الورشات فضاءً لإنتاج مقترحات عملية من شأنها تحرير رؤية متكاملة وخارطة طريق قابلة للتنفيذ.
وتتجه عمالة وزان، وفق ما خلصت إليه أعمال اللقاء، إلى مواصلة هذه الدينامية عبر مرحلة ثانية ستُخصص لاستكمال المشاورات وتنقيح المقترحات، في أفق بلورة برنامج تنموي مندمج يحدد التوجهات الاستراتيجية للإقليم خلال السنوات المقبلة. ويتوقع أن يشكل هذا البرنامج مرجعاً عملياً لتوجيه الاستثمارات العمومية وتحسين مردودية المشاريع وتنسيق التدخلات بين مختلف الفاعلين.
بهذه الخطوات، يبدو أن الإقليم يتهيأ لمرحلة جديدة تحاول القطع مع أساليب التدبير التجزيئي، والانتقال إلى رؤية تستند إلى الفعالية والالتقائية والبعد المجتمعي، وهو ما قد يفتح المجال لإرساء نموذج تنموي أكثر تناسقاً وقدرة على الاستجابة لتطلعات السكان وانتظاراتهم المشروعة.