سلا – 7 ماي 2025
في تجسيد متقدم للرؤية الملكية الاستباقية لتعزيز قدرات المملكة في إدارة الأزمات ومواجهة الكوارث، أشرف صاحب الجلالة الملك محمد السادس، نصره الله، يوم الأربعاء بجماعة عامر بعمالة سلا، بمواكبة من صاحب السمو الملكي ولي العهد الأمير مولاي الحسن، على إعطاء إشارة الانطلاق الرسمية لأشغال بناء أول منصة جهوية لتجميع المخزون الاستراتيجي والاحتياطات الأولية على مستوى جهة الرباط-سلا-القنيطرة. تُعد هذه المبادرة اللبنة الأولى في صرح برنامج وطني شامل يهدف إلى ترسيخ نموذج مغربي فريد في الصمود الوطني وتعزيز آليات النشر السريع للمساعدات والإغاثة في حالات الطوارئ والكوارث بمختلف تصنيفاتها في سائر أرجاء المغرب.
رؤية ملكية لتعزيز الاستجابة للكوارث
ويندرج إحداث منصات المخزون الاحتياطي هذه، تنفيذاً لتعليمات ملكية سامية، ضمن إطار واسع يهدف إلى تزويد كل جهة من جهات المغرب ببنية تحتية لوجستية مركزية ومتكاملة. ترمي هذه البنيات إلى تشكيل احتياطيات إستراتيجية من المواد والتجهيزات الأساسية (كالخيام، ومستلزمات الإيواء، والأدوية، والمواد الغذائية، وغيرها)، وذلك لضمان قدرة البلاد على الاستجابة الفورية والفعالة لمواجهة مختلف الكوارث المحتملة، سواء كانت ذات طبيعة طبيعية (زلازل، فيضانات) أو ناتجة عن مخاطر تكنولوجية (صناعية، كيماوية، إشعاعية).
تفاصيل المنصة النموذجية بجهة الرباط-سلا-القنيطرة
وتُشكل منصة المخزون والاحتياطات الأولية بجهة الرباط-سلا-القنيطرة، التي حظيت بإعطاء جلالة الملك لانطلاقة أشغالها، نموذجاً للبنية التحتية النموذجية التي سيتأسس عليها البرنامج الوطني لمواجهة الكوارث برمته. يمتد هذا المشروع على مساحة أرضية شاسعة تبلغ 20 هكتاراً، ويُرصد له غلاف مالي إجمالي يقدر بـ 287.5 مليون درهم. ومن المرتقب استكمال أشغال الإنجاز في غضون 12 شهراً. وتشمل مكونات هذه المنصة الرئيسية أربعة مستودعات ضخمة بمساحة 5000 متر مربع لكل منها، وحظيرتين مخصصتين لاستيعاب المعدات والآليات الثقيلة بمساحة 2500 متر مربع لكل حظيرة، بالإضافة إلى مهبط مخصص للطائرات المروحية لتسهيل العمليات اللوجستية الجوية، فضلاً عن فضاءات واسعة لمواقف السيارات والمركبات، وكلها مصممة لدعم الاستجابة السريعة للكوارث.
برنامج وطني شامل باستثمار ضخم
وإذا كانت منصة الرباط-سلا-القنيطرة تمثل الانطلاقة الميدانية، فإن البرنامج الوطني لإحداث هذه المنصات يمتد ليغطي كافة التراب الوطني عبر إنجاز 12 منصة جهوية للمخزون الاحتياطي متكاملة. يتطلب هذا البرنامج استثماراً إجمالياً مقدراً بـ 7 مليارات درهم، خُصص منها ملياران درهم للبناء والتجهيز، و 5 مليارات درهم لاقتناء المواد والمعدات اللازمة لتكوين المخزونات الاستراتيجية. ستشغل هذه البنيات اللوجستية الضخمة تخصيص وعاء عقاري إجمالي يناهز 240 هكتاراً، وستحتوي مجتمعة على 36 مستودعاً تم تصميمها وتوزيعها بناءً على معايير دقيقة تراعي الكثافة الديمغرافية لكل جهة وحجم المخاطر المحتملة بها لضمان فعالية مواجهة الكوارث. فبالنسبة للجهات الست ذات الكثافة السكانية والمخاطر المرتفعة (الدار البيضاء-سطات، الرباط سلا-القنيطرة، مراكش-آسفي، فاس-مكناس، طنجة-تطوان-الحسيمة، وسوس-ماسة)، ستُجهز كل منها بأربعة مستودعات، بمساحة إجمالية تصل إلى 20 ألف متر مربع لكل منصة للمخزون الاحتياطي. أما المنصات المخصصة للجهات الست الأخرى (جهة الشرق، بني ملال – خنيفرة، درعة – تافيلالت، كلميم-واد نون، العيون-الساقية الحمراء، والداخلة – واد الذهب)، فستتوفر كل منها على مستودعين، بمساحة إجمالية تبلغ 10 آلاف متر مربع لكل منصة.
مخزونات استراتيجية لتلبية الاحتياجات الحيوية
وبعيداً عن مجرد كونها مستودعات للتخزين، ترتكز الفلسفة الكامنة وراء إحداث هذه المنصات الاستراتيجية على تأمين استجابة سريعة ومُحكمة لصالح الساكنة المتضررة، وضمان تغطية فورية وملائمة للاحتياجات الحيوية في مرحلة ما بعد الكارثة. وفي هذا الصدد، ستشمل المخزونات الاستراتيجية أصنافاً متعددة من المواد والتجهيزات المصنفة لتلبية المتطلبات الفورية، بما في ذلك الإيواء عبر توفير قدرة استيعابية تناهز 200 ألف خيمة بملحقاتها وتجهيزاتها، والإطعام من خلال مخابز ومطابخ متنقلة ووجبات جاهزة، وتأمين المرافق الحيوية كالماء والكهرباء عبر تجهيزات متقدمة لتصفية ومعالجة المياه ووحدات إنتاج الطاقة الكهربائية المتنقلة، فضلاً عن توفير معدات متخصصة للإنقاذ والتدخل للتعامل مع مختلف سيناريوهات الكوارث، وأخيراً الرعاية الصحية الطارئة بتجهيز 6 مستشفيات ميدانية مجهزة بـ 50 سريراً كمرحلة أولى، مع التخطيط لـ 6 وحدات إضافية، بالإضافة إلى مراكز طبية متقدمة ومخزونات صيدلانية لتلبية الاحتياجات العلاجية الفورية. وجدير بالذكر أنه سيتم اعتماد آليات تدبير متخصصة، تلتزم بأعلى المعايير والجودة، فيما يتعلق بتخزين المواد الغذائية والأدوية لضمان سلامتها وفعاليتها لدعم جهود مواجهة الكوارث.
أهداف كبرى لتعزيز الصمود الوطني
إن هذا البرنامج الوطني الاستراتيجي يتجاوز مجرد تطوير البنية التحتية الوطنية للطوارئ، ليساهم في تحسين وتطوير منظومة إدارة الأزمات على الصعيد الوطني والجهوي بشكل جذري، ويضمن سرعة وكفاءة غير مسبوقة في تقديم المساعدة والإغاثة للمتضررين في المغرب. ومن المتوقع أن تُمكن هذه المنصات الجهوية المملكة من التوفر على مخزونات استراتيجية قادرة على الاستجابة لما يفوق ثلاثة أضعاف حجم الاحتياجات التي تم تغطيتها في أعقاب زلزال الحوز الأخير، بالإضافة إلى تحفيز وتطوير قاعدة صناعية وطنية لإنتاج جزء من التجهيزات والمواد اللازمة للاستجابة السريعة للكوارث. تُعد هذه المنصات الجهوية للمخزون الاحتياطي، التي تم اختيار مواقعها بناءً على دراسات معمقة وتقييم للمخاطر وبما يتوافق مع أفضل الممارسات الدولية في مواجهة الكوارث، تجسيداً لإرادة ملكية قوية لتعزيز الصمود الوطني في المغرب وقدرته على مواجهة التحديات المستقبلية بكفاءة عالية وفعالية استراتيجية، حمايةً للأرواح والممتلكات وصوناً لمكتسبات التنمية.
اترك تعليقاً