الكاتب : هشام بومداسة
فالدِّرَازَة هي المهنة والحِرْفَة التي ميزت هذه المنطقة الجغرافية بالذات ( وزان وقبائلها) والتي كانت ولا زالت بؤرة تقاطع الكثير من الثقافات التي أثرت فيها وتأثرت بها من خلال حضور العنصر الشرفوي والأمازيغي الريفي والقروي والموريسكي واليهودي والصحراوي (أهل توات) والفاسي..
لذلك، لا مراء أن من بين العناصر التي تأثرت بهذا التنوع تلك المهن التي تكونت ونشأت وترعرعت وزرعت بوزان المدينة، ومنها مهنة “الدِّرَازَة” التي، كما قلنا، كان لها شأن كبير من حيث الإنتاج والاستهلاك والقيمة الاجتماعية والرواج الاقتصادي والعلاقات الممتدة بالكثير من المهن الخشبية والحديدية والخيطية والعظمية والجلدية.. والتي كان لها حضور قوي في ممارستها وحركيتها وإبداعها.
من هنا نعرف جيدا لماذا “لْمْعَلّْم الدّْرَّاز” له من القدرات التفاوضية والحوارية النَّزِقة في علاقة مع كل الأطراف الذين تجمعهم بمهنته. فهو بخَزَّانِ قاموسه اللغوي والمعرفي الثقافي، وغناه التي اكتسبها من مكونات “الْمْرَمَّة” وكل عناصر ومراحل المهنة، تجده منفتحا على هذا التنوع والتعدد، وبالتالي تجده مؤهلا ومستعدا لكل تعدد تعرفه مهنته، وخصوصا التعدد الذي يخص العنصر البشري والمواد والآليات الموظفة في “الدِّرَازَة”. ف”لْمْعَلّْم” صاحب المرمة يكون على علاقة تفاعلية شبه يومية مع الصانع والتاجر و”الدّْلاَّل”، بل ومع “الغُزَّل” والطفل “المْدَوَّر”، ما يعني أن بُعْدَ تفاعله الاجتماعي لا يتوقف عند بؤرة وحيز ورشته في “الدِّرَازَة” وحسب، بل ويمتد كذلك إلى فضاءات ومجالات أخرى كسوق “الْغْزْل” وسوق “الحَايْك” وبعض المنازل الخاصة للنسوة غَوَازِل الصوف.
فهذا التردد اليومي والتنوع المختلف الذي يتعايش معه، يجعل منه فاعلا مركزيا مؤهلا للتفاعل بكل قدراته الثقافية المهنية المتنوعة مع كل الفاعلين باختلاف مجالاتهم وارتباطاتهم ومهامهم وعقلياتهم ووجدانهم.. بما يخدم مهنته وممارسته وقيمة منتوجه التي تجسد هي الأخرى ثقافة التنوع والتعدد والتجديد
اترك تعليقاً